يتساءل الأتراك عن سر التردد العربي نحو إقامة علاقات استراتيجية متكاملة مع تركيا رغم وجود الإرث المشترك بين الطرفين، وهذا السؤال يدفعنا

الجانب الإسرائيلي لا يخفي قلقه الكبير من أن يتطور التعاون التركي العربي الحالي إلى شراكة استراتيجية بين العرب والأتراك، هذه الشراكة التي تسهم في تغيير المعادلات السياسية في المنطقة وتزيد من عزلة إسرائيل وتضييق الخناق عليها، وأيضا تسهم في تعزيز معالم الاستقرار السياسي في المنطقة وهو محل إدراك الزعامات والقيادات العربية.
التقارير تلك أشارت أيضا إلى أن اللوبي الصهيوني يتحرّك على جبهات مختلفة لعرقلة التعاون العربي التركي، فهو يعمل على تشويه صورة تركيا في الإعلام الغربي وتصوير حكومة العدالة والتنمية دوما على أنها حكومة تيار إسلامي تبطن العداء لإسرائيل والغرب وتروج إسرائيل أيضا إلى ما يسمى بـ”العثمانية الجديدة” بهدف إخافة العرب ممّا تعتبره الدوائر الصهيونية بـ”هيمنة” تركية قادمة.
وتؤكد التقارير أن اللوبي الصهيوني يعمل على تحقيق أهدافه في هذا الاتجاه من خلال استخدامه أقلاما ومؤسسات إعلامية ومدنية عربية وتركية للتشويش على مسيرة العلاقات العربية التركية وزرع بذور الفتنة وإشاعة حالة من أزمة الثقة بين الطرفين لقطع الطريق أمام تنامي الدور الإقليمي لتركيا، حيث إن إسرائيل لا تخفي قلقها من مبدأ التفاعل الإيجابي مع قضايا المنطقة الذي تنتهجه السياسة الخارجية التركية.
الدراسات التركية كشفت عن مساع حثيثة للوبي الصهيوني ومؤسساته لزعزعة أمن تركيا من الداخل بهدف إشغال الحكومة التركية في قضايا جانبية وعرقلة حركة التنمية الداخلية، واستندت الدراسة إلى تقارير استخباراتية تركية تؤكد تورّط إسرائيل في تسليح حزب العمال الكردستاني وتقديم الدعم اللوجستي والمعلوماتي لحركة عبد الله أوجلان لضرب المصالح التركية.
المجموعات البحثية التي شكلها اللوبي الصهيوني لمتابعة واقع العلاقات العربية التركية ومستقبلها ترصد ما ينشر وما تتناوله الندوات والمؤتمرات ذات العلاقة بالتعاون العربي التركي لتعمل من خلال هذا الرصد على توجيه القرار السياسي في كل من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ليتبنى الجانب الأمريكي والأوروبي مواقف مساندة للرؤية الإسرائيلية.
الولايات المتحدة تتعاطى مع ملف التعاون العربي التركي بحذر شديد، فواشنطن لا ترغب في إغضاب أنقرة ولا تعمل على عرقلة الدور الإقليمي لتركيا، بل تسعى إلى توجيهه واستثماره بما يخدم مصالحها في المنطقة، لكنها في الوقت نفسه تضع في كل حساباتها السياسية أولوية أمن إسرائيل ومسألة التوازنات الإقليمية.
الموقف الأوروبي من تنامي التعاون العربي التركي لا توجهه الهواجس الأمنية كما هو الحال مع إسرائيل، لكن القلق الأوروبي يتمحور في تخلّص تركيا تدريجيا من تبعيتها لأوروبا التي صاغ الاتحاد الأوروبي على أساسها نهجه في التعامل مع أنقرة، غير أن الواقع السياسي في تركيا تغيّر بشكل لافت لدرجة أن الطرفين الأمريكي والأوروبي لم يستوعبا حتى الآن عمق التحولات التركية.
لا شك أن الإدارة الأمريكية وإسرائيل والاتحاد الأوروبي قلقون جدا من تنامي الدور الإقليمي لتركيا في المنطقة العربية والإسلامية والإفريقية لدرجة أن الأطراف الثلاثة يعملون الآن على تسريع ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بهدف قص أجنحة تركيا واحتواء دورها تحت مظلة الاتحاد الأوروبي.
إن قراءة واعية لهذا الواقع وتدعو القرار السياسي في الجانبين وكذلك النخب العربية التركية وهيئاتهم العلمية والإعلامية والمدنية والثقافية وغيرها إلى تحمّل مسؤولياتهم التاريخية تجاه أوطانهم ومنطقتهم من خلال التقدم خطوات أكبر في تشبيك المصالح وبناء الشراكة في مختلف المجالات بين العرب والأتراك، فالحقيقة التي عرضتها الدراسات والتقارير التركية تؤكد أن التعاون بين العرب وتركيا مستهدف من قبل عديد من الدوائر.
وواجب الحكومات والنخب العربية والتركية العمل على تحصين واقع العلاقات العربية التركية وتأمين مستقبلها بما يستجيب لطموحات شعوبنا ويحقق الأمن والاستقرار لأوطاننا.
المصدر : https://www.kolalwatn.net/?p=4604